Friday, May 11, 2012

حريقٌ يطفيء عقاب بشاعته في أعين بلدٍ لا يعرف "سكانه" نبض حقيقتهم


مخطوطتي الحبيبة، طفلتي الصغيرة:

والدتك اليوم غائبة ذهنياً، ويشوب ثدياها تجفاف الإنشغال بأمورها الحياتيّة، فاغفري لها هذا الإنشغال، لكنه ضروريّ لنا معاً. سأطعمك اليوم حليباً معلّباً بازدحام سير بيروت الخانق وطرقاتها التي تضيق بالسيارات التي تضيق بدورها بوحدة سائقيها، وحريقٌ هائلٌ شبّ خلال ساعات الصباح الأولى في مصنعٍ للسجاد يقع على طريقنا المتجه إلى الشمال، قبيل مشارف مدينة العظمة، جبيل.

كيف أصف لكِ يا طفلتي مشهد شعلات اللهيب العدوانية التي تنفث ناراً مجبولة بالمواد الكيميائية التي سال سوادها صعوداً نحو السماء، فأظلمت في وضح النهار، وأظلم معها خصب حناني لكِ ولهفتي لضمِّك إلى حنايا أضلعي، لشدّة ما حزنتُ على طبيعة لبنان التي بتروا أصابع كفّها، فغطّى شعرها الأشعث جبينها وعينيها، وما عاد بإمكانها إزاحة الإجحاف من فوق نظرها الذي اعتاد أن يسبح في النقاء. 

كيف عساني أبرّر لنفسي نقل هذه البشاعة إليكِ دون أن أسرق منك الحلم بغدٍ يليق بكِ؟ كيف عساني أنسج لكِ قميص أملٍ بينما الواقع يسرقك من نفسك ويفضّ بكارة آمالك بسلسال الزحام والدخان الذي يلفّ هذا الوطن بشكلٍ يوميّ؟ 

أعي بأني قد عاهدتك على الإلتزام بجديلتك الذهبية، فتعالي أقبّل خصلاتك سريعاً، أضعك في سرير الإرتقاب لغدٍ ربما يكون مداه أرحب وصوته أنقى.

أغمضي عينيك وتعالي نتمنّى سويّاً أن تلاقي البيئة في لبنان نصيراً ومتعهّداً ومحبّاً، تماماً مثلما تحبّك والدتك، ومثلما تحبّ طبيعة لبنان الذي كان يوماً أخضر، عساكِ بينما تكبرين، يعود أخضر.

No comments: