Saturday, April 11, 2020

أفيقوا أيها النيام


لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب!
لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب!
الحرب هي لغة الدول التي تعتبر نفسها كبيرة لدرجة بعثت بجيوشها إلى قارّاتٍ وبلدانٍ أخرى خارج شريطها الحدوديّ لا لتحمي شعوب تلك الدول ، إنما لتنهب نفطهم ومعادنهم الثمينة تحت ستار قضايا مقنّعة وجمعيات تدّعي إنها غير نفعيّة، لكنّها تُمَوَّل عن طريق ما نُهب من تلك البلدان، وما أُخذ من فم أبنائها!

لا يا سادة نحن لسنا في حالك حرب
نحن في حالة عجز أمام فيروس غيّر خارطة النفوس وخارطة التفكير وخارطة النظم الإقتصادية العالميةنحن في حالة تغيُّر نمطيّ في تفكيرنا الذي تغيّر للأبد وللأجيال القادمة التي ستعيش على فتات خوفنا اليومسنرتعب أمام كلّ كيس نأتي به من السوبرماركت والصيدليّة حتى لو كان يحمل بداخله دواءً شافياً لهذا الكائن الذي ما عدنا نعرف جرّاءه ما إذا كنّا نياماً في كابوس، أم إذا كنّا بالفعل محجورون داخل منازلنا التي فقدت حرمتها أمام اجتياح الفيروس الخفيّ لبيوتنا ويوميّاتنا!

لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب كما يقول رؤساء الدول العُظمى، أولئك الذين لم يعرفوا سوى ثقافة الحروب والموت والدمار ، وثقافة الهروب من المسؤولية تجاه شعوبهم اليوم في ظلّ عتمة هذا الوباء القاتل! لستُ أعرف من أكثر شرّاً من الآخرأهو فيروس يغزو الأجساد بهدف البقاء والتكاثر كجزء لا يتجزّأ من طبيعته، أم رئيس دولة أنفق بيليارات الدولارات على تسليح جيشه ليغزو به باكستان وكردستان وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وقطر ولبنان ليقف اليوم عاجزاً عن تأمين كمّامات واقية لشعبه؟!؟

لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب، إنما في حالة عجز أمام فسادٍ مدفوع وممنهج ننتظر صندوقاً كرتونيّاً بداخله كيلو أرز متغيّر الجينات، وكيلو سكّر حصل على لونه الأبيض من المواد الكيميائية، وقنينة زيت معصورة من البذور التي تمّ التلاعب بجيناتها لدرجة لم تعد الحشرات تأكلها لأنها تعرف بأنها قاتلة، وعلبة شاي فاضت عليها المياه في مستودعات التخزين في عاصمةٍ ما من عواصم الدول العُظمى بعد أن صنّفتها مختبراتهم العلمية بأنها غير صالحة للإستهلاك لاحتوائها على منسوب عالٍ جداً من مبيدات الحشرات بحيث يعرّض استهلاكها إلى تَغيُّر جذري في الأمعاء التي تمزّقها نسبة السموم المرتفعةعلى ألا ننسى المنشور الذي بداخل الصندوق الكرتونيّ - أي الأعاشة هذه، والذي يتضمّن شرحاً عن كيفيّة الوقاية من هذا الفيروسUSAID وأخواتها؛ شكراً للبارود الكرتونيّ المعبّأ كهبات للشعوب الفقيرة كحال شعبي! كان من الأجدر لو لم تشرّدوا الفلسطينيين والسوريين وتُجبرونا على استقبالهم في مخيّمات الذل والعار، تحت وصاية سلسالٍ من حكومات تأتمر بطمعها الذي تغذّونه بغابات عملتكم الخضراء! 
لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب إنما في حالة غباء مستشرٍ بشكل أشنع من تفشّي الكورونا! فأمام مهاراتكم في تدريب العملاء وصياغة السيناريوهات، نقف مذهولون لا نعرف أنعلّم هذا النوع من التخفّي لأطفالنا كي يحذروا منكم، أم نستتر أمام الله الذي يندم على خلقه لكائن انسانيّ لم يعد يملك من الإنسانية إلا التصنيف العلميّ لهذا الصنف من المخلوقات، أمثال رؤساء الدول العربية الذين يمصّون دماء شعوبهم ثمّ يبيعونهم في كراتين تحمل الألعاب الجنسيّة الترفيهيّة الذكورية والحجاب لستر عورة المرأة الناقصة، بينما تغصّ الشاشات الوطنية بالعملاء الذين يخدمون إيران في العلن، وإسرائيل في السرّ، والشيطان الكامن في قلوبهم في المطلق!

لا يا سادة نحن، لسنا في حالة حرب إنما في حالة شلل سنُصاب بها حين ينتهي الحجر، وسنقف مغلّلين بأصفاد الخوف من أيّ صديق أو من أيّ فرد من أفراد العائلة سنقابله بينما نتخبّط من الداخل بشأن ما إذا كنّا سنأخذه في عناقٍ طويل، أم سنخاف من أن يكون هذا الفيروس قد استوطنه كما تستوطن الكائنات الفضائية أجساد البشر في الأفلام الهوليودية؟ سيتملّكنا الرّعب حالما نخرج من سجن الحماية هذا، إلى سجن الخوف من المطاعم والقطارات والباصات والمنشآت العامة وصالات الرياضة ودور السينما والمسارح وسيصبح العدو متربّصاً على كل قبضة باب أو كيس مشتريات أو أيّة يد ستمتدّ لمصافحتنا فهل من دواء لهذا الداء المستجدّ؟!؟

لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب، بل في حالة كشفٍ جليّ وواضح عن فشل الحكومات، كلّ الحكومات عن حماية شعوبها! نحن في حالة صحوة من وهم الإتحادات العالمية: إيطاليا اختنقت ولم تحرّك دولة أوروبية إصبعاً لمساعدتها! فرنسا لا تزال عاجزة بعد خمسة أشهر من إدراكها بوجود الفيروس وبعدم وجود كمامات واقية تحمي مواطنيها من تفشّيه، وحتى هذه الساعة لا وجود لمبادرات حكومية من أجل تصنيع تلك الكمامات! الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية التي تتخبّط بين الإقرار بعجزها، والإقرار بأنها في أمسّ الحاجة للصين، غريمتها، من أجل تلك الكمامات التي لم تجد لها عبر ولاياتها الإثنان وخمسون مصنعاً يقوم بتقطيب الرباطات على القماش المانع! 

لا يا سادة نحن لسنا في حالة حرب، إنما في حالة تضامن أرضيّ شامل للإنسان أينما وُجد! نحن في حالة يقظة بأن العون في التضافر الشعبيّ بين الإنسان والإنسان لا بين الحكومات التي عزلت شعوبها وراء ترسانات عسكرية وأقامت الحواجز البشرية التي أكرهت الشعوب على بعض بعضهم البعض! أرى سكان البلدان الأصليين في كامل الأرض يهلّلون اليوم فرحاً؛ فقد تساوى بني البشر في المصير وفِي المسير أمام حاكم الأرض الأوحد: كوفيد ١٩ المتجسّد خوفاً جعل الملك يشعر بأنه عامل تنظيفات وجعل عامل التنظيفات يشعر بالإنصاف الإجتماعيّ الذي لم يُنصفه نظامٌ حكوميّ من أيّ نوع! أرى التفرقة العرقية والدينية والمذهبية إلى زوال، كما وأرى الإنسان جاثياً طالباً الغفران من أخيه الإنسان، من أخيه الحيوان، من أمه الأرض ومن الله. أرى الإنسان عائداً إلى أصله الطيب المجبول بالرحمة والعدل! لا حاجة اليوم للرقم ذو عشرات الأصفار بقدر الحاجة إلى الممرض والطبيب الذي يستكثرون عليه زيارة تحمل رقماً بصفرين! إنه وقت إعادة النظر بالتصنيف الوظائفيّ ووجوب مساواة المهن جميعها في المرتبة نفسها لناحية شكر الموظف على تأديته لواجبات وظيفته مهما كانت، فالجميع في خدمة الجميع! إنه وباء الصحوة  فأفيقوا يا أيها النيام!

نحن في حال النعمة التي أعادت المساواة بين البشر ووحّدتهم جسداً وروحاً مع الخالق وأعادت فتح الخطوط مع الله! نحن في حال النعمة؛ من بشر يستهلك ما تطاله يده من نبات وحيوان، إلى شعوب وأوطان تسأل وتتساءل عن أخلاقية المنشأ وروحانية المصدر ووجهة الطرقات كلّها والوجهات المادية والمعنوية وتراتبيّة المهن وأهميّة الإنسان كقيمة عُليا مُحافظة ومقدّرة للحياة ومنشؤها ووجهتها. 
ربيعة طوق