Friday, May 25, 2012

حضورك بكلّ هذه العلياء؛ هو البهاء


ساعدك هذا من قال إنّي أبغاه؟
من قال إنّ منه الشفاءْ
لجرحٍ أوسع من رحب هذا المساءْ؟
ثمّ، هل سمعتني أُطلق للإستغاثة نداءْ؟!!

أريد منك إلى صمتي الإصغاءْ
فهو، أبلغ من دمعةٍ عصيّةٍ على الإنحناءْ.

يدك! ربّما،
أريدها أن تأخذ بيدي،
غير أني، لست بحاجةٍ إلى المواساة؛
بل إلى صمتٍ أبلغُ من صمتي،
يمكنه ابتلاع صوتي في لحظات الغضب،
أو لا حاجة لكَ لكل هذا العناءْ!

أريدك؟
أجل. تماماً.
لمَ الإختباءْ
وراء مُمانعةٍ ليس فيها أيُّ إباءْ!!
غير أنّي يا سيّدي سيّدةٌ،
لا تحب لغة المعهودِ من الهِجاءْ
لا، ولا يرويها التقليديُّ من الإنتماء.
وإذا كانت هذه حالكَ منّي،
فاستأذن ما في بالك،
لأني منك في حالة استغناءْ.
غير أنّي منك، وفيك، وبك، ولكَ؛ في حالةِ احتفاءْ
ويكفيني أنّك حاضرٌ في حضرتي بأبهى شفافيّةٍ وعلاءْ.

Wednesday, May 23, 2012

القرار

هو مفترقْ؛
انهضي ممّا احترقْ.
أستجديكِ الوقوف لنفسك من جديدْ،
ماهمّك ما فاتك من مواسم العيدْ!
فالعمر الآتي كفيلٌ بإعادة رمشك الشريدْ،
إلى سفرٍ وشالٍ ويدٍ، إلى وقعكِ ستعيدْ
النوم والصحو وما بينهما من تواطيء سعيدْ..
لن تلحظي معه ما قيّدكِ زمناً من صدأٍ وحديدْ...

هو مفترقْ؛
انهضي من تلف الغرقْ.
آمرك بالوقوفْ.
سأعيد إلى وجهك سطوع الضحكة الشَّغوفْ،
التي تحتاجينها لترتيب فصولك المبعثرة فوق الرّفوفْ،
المتشظيّة في حنايا أضلعك، وِفق ترتيب الفوضى التي تظنينها عليك عَطوفْ..

هو مفترقْ:
هو قرارٌ قرارٌ؛ أجل قرارْ،
ولستِ له في حالة افتقارْ.
هو قرارٌ لا يمكن منه الفرارْ..
هو قرارْ
قفي!
حدّدي لعمركِ وجهة المسارْ.

Tuesday, May 22, 2012

مكوّنات الأحلام


أشعرتَ يوماً أنّك تودّ لو تنام، لو تغوص في النوم لساعاتٍ مديدة تفوق طاقة جسدك وفكركَ وتركيباتك السيكولوجية على النوم؟ أن تنام ببساطة. أن تغفو في النوم وتنام في الغفوة، على ألّا تصحو إلّا بعد أيامٍ ربما، أو أسابيع أو أشهر أو سنوات أو ربما وعلى الأرجح أبداً...

إنها حاجةٌ للخدر؛ حاجةٌ لا للهروب، إنما لاستقطاع وقتٍ من حياتك يتسنّى لك خلاله إيقاف عقارب الوقت والأوجاع، كي تتمكّن من استيعاب كمّ الأحداث التي تعيشها، والتي تفوق بكثرتها حيواتِ أشخاصٍ كُثُر. إنها حاجة في أن تقرّر أثناء ساعات القلق الطويلة، تلك التي تستلقي خلالها في السرير بينما تتمزّق بين النعاس وبين عدم مقدرة النوم أن يتغلغل إلى وعيكَ، ماذا ستستعرض في شرائط أحلامكَ؛ أي أن تقرّر المواضيع والأحداث والخلطات التي ستنكّه بها وجبات أحلامكَ لهذه الحصّة من النوم. نحن نقرّر أحلامنا مسبقاً، نخطّط نكهاتها وكيفيّة طبخها ومدّة استوائها ومكوّناتها الغذائية؛ تلك التي تكوِّن الحاجات الضروريّة لصحوة اليوم الذي يلي نعاس الليلة السابقة.

إنها الرغبة في الشرود خارج سماء الواقع والتوقّف عن تناول مُلوحة العينين في مزاد الأيام التي لا تنتهي مبايعاتها لأمانيك. الرغبة في التعرّي من كلّ ما يثقل عليك في نهاراتك ويجرّدك من ذاتك بينما تحاول أنت حمايتها بهشاشة جناحيك. إنها محاولة لا لإعادة التوازن عن طريق الأحلام، إنّما لنزع حواسك الخمس عن جلدِك، تلك الحواس التي تحاول الخروج من دائرة الولادة والموت المتكرّرة خلال ساعات النهار، على طول خطّ مسار أيامك.

بمَ سأحلم الليلة؟ حسناً، سأركب على متن رحلةٍ ستقلع بي إلى وجهاتِ أحلامٍ عديدة، صمّمتها بأقمشة عزمي وألوان قدراتي وتموّجات إرادتي وسموات إيماني، إلّا أنّ الوقود الذي يسيّرها له رائحة لقائنا وصوت حنيني إلى وجهك.




Monday, May 21, 2012

أرجيء وقتك يا وقت




أرجيء وقتَكَ يا وقتْ

كي تستكينَ الصلاة من العياءْ،

في السّبحة الملقاةِ في الإناءْ،

تحاول أن تُزهر عزّةً وإباءْ،

غير أنّ أفيون الدين والسماءْ،

لن يسمح لقمرها أن يشرق هذا المساءْ،

لأن البنادق تحاول اقتناصه دون عناءْ؛

هكذا الواقع الجاهل للصراع شاءْ!!.


أبتر يا زمن كلّ هذا المقتْ

وأنتِ يا أيّتها النساءْ؛

عارضنَ بأعلى نداءْ..

أولستنَّ من تعلّمن أبناءكنّ هذا الغناءْ

الذي يتجسّد اليوم باروداً واقتتالاً وهباءْ؟

قمنَ وارفعنَ في وجوههم إن لزم الأمر الحذاءْ،

واردعهنّ عن هذه النزاعات الهوجاءْ:

فقد فقد رجالات منابرنا كلّ حياءْ.


أيها الشعب أين أصوات السّخطْ؟

كفى هذا الوطن ما أراق من دماءْ!

الوفاق وحده يؤمّن للإنسان الغذاءْ.

أين اختفى حرف الحاءْ؟

حاء الحبّ والهناءْ،

في أرجاء لبنان الغنّاء.



Sunday, May 20, 2012

يوميّات الحمّام الزهريّ


أخذتُ فرشاة الحلاقة ورحتُ أرطّب الشعيرات النابتة على ضفاف وجهه بالرغوة، وأرطّب معها جفاف قلبي حين يرى عجزه عن القيام بالأمر بنفسه. شرعتُ بالحلاقة وبترطيب جراحات غيابه المتنامي في يوميّات حضوره المتواري عن نفسه... لستُ أدري بشأن شعيرات روحه؛ ما إذا كانت حاضرة تتفاعل وتشعر، ربّما، إلّا أنها مبتورةُ الأصابع، لا تستطيع تلمّس مسار جسده الواهن تحت ثقل مرضه الذي سرقه من نفسه ومنّا، كما لا تستطيع تتبُّع مسار شبابنا الذي ينضج بالشيخوخة قبل أن يتسنّى له رسم فضاء أحلامه الزهريّة.

إنه والدي. إنه مصدر الحياة التي فاضت منه وأتَت بي إلى الحياة، لترسم ملامح وجهي، تفاصيل جسدي، بيانات فكري ودائرة روحي. بعد ممانعةٍ استمرّت لوقت، ومجادلاتٍ تتكرّر في كلّ مرّةٍ أطلب منه أن يجلس على كرسيّه الخاص فوق بلاط الحمّام الزهريّ اللون لأقوم أنا بحلاقة ذقنه، وافق من غير رضىً. هذا الحمّام الزاهر اليوم بكلّ شيء إلّا من الأحلام والآمال التي اغتالتها بشاعة المرض، بعد أن أزهر بالأمس على وقع لمساته، يوم اصطحب والدتي لتنتقي تصميم حمّامهما، فعاد معها إلى المنزل حاملاً عيّنةً من البلاط الذي اختاره مع شريكة حياته، وبعد موافقتنا أنا وإخوتي، لبس حمّام الجناح الغربيّ من منزلنا سقفاً وجدراناً وأرضاً زهريّة زخرت بالفرح في كنف العائلة، وامتلأت بالحبّ أزهر زهواً وراح يخترع تدرّجات جديدة من زهر الدفء والتوافق والتناغم. جلس راضخاً، شاكراً يداي اللتين تمتزجان بالشفرة الحديديّة الباردة وماء الحنفيّة الساخنة. بين برودة الحديد ودفء الماء، تنصلب أصابع كفّي التي تمرّ فوق انحناءات وجنتيه وعنقه، راسمةً دائرة لحية ذقنه، التي شكّلت هويّة صورته منذ فتحت عينيّ على وجوده في حياتي. إنّه أبي الذي قلب المرض دور أبوّته في حياتنا إلى دور الطفل الملاك، الذي لا تكبر فيه إلّا مساحات العجز وتفاصيل المواجهات اليوميّة للتأقلم مع تدهور جسده، الذي لم يعرف كيف يكون وفياً لصاحبه، فخان الحبّ والحياة اللتين كانتا جوهر أعماق أبي، وحقيقة وجوده التي نقلها إلينا ممارسةً وجوديّة تفتخر بها الحياة.

أنهيتُ المهمّة. أقفلت الحنفيّة الزهريّة. ناولته المنشفة المخطّطة بالزهور، ليجفّف وجهه بعد أن غسله بالماء الفاتر، بخلاف زهرةِ أملٍ وحيدة، فاترة، ترفض أن يذبل إيمانها بأنّ الحياة في عينيه لن تفتر أكثر من ذلك، لن توجعني أبعد من ذلك، ولن تكسر ظهري الهزيل بمواجهة غيابه عن نفسه وعنّا.

أقفلتُ باب الحمّام الزهريّ وفتحتُ زهر الصّبر لموتٍ يغتالني في كلّ مرّة أراه يحاول فيها الوقوف على رجليه، حيث تأخذه عملية الوقوف في مواجهةٍ مؤلمة لكلينا في تحدّي الجسد القانع في تكلّس المفاصل التي خسرت حركة مفاصلها ومعاونة فكره، الذي تشتّت على طاولة العمليات في المستشفى وتركتهُ في حالةٍ لا هي زهر الحياة ولا زهر الموت....