Thursday, January 7, 2016

رسالة إلى ابي


أبي يا أيها الأبيُّ.

أبي لستُ أدري كيف عساني لا أهديك كلّ أيام عمري، وكلّها، لن تكون قليلة عليك. لكنها قليلة لشكرك.

ما سرّ حياتينا اللتين تلاحمتا بالغياب يا أبي؟
أنت الغائب عن كيانك، الحاضرُ في كياني... أنت الحاضر حتى في سَهْوِكَ وسَهْوَتِك، وأكثر حضوراً من أكثر الحاضرين. ربما تكون وحدك الحاضر فعلاً ونحن كلّنا غياب.. ونحن كلّنا للغياب وقود..

أكتب لنفسي لأنّ وحدها نفسي لن تخون. نفسي التي اختارتك أباً لها من قبل أن تكون. أما عن أموري يا أبي، فماذا عساني أقول!! أكتب لنفسي لأني أعلم بأنها ساعي البريد التي ستوصل صوت نفسي إلى حضنك الدافىء أبي. كيف أعيده عمر الحضن الذي لم أعِ معه بأن للحياة وجه بشع وموجع؟ موجع يا أبي.. كبرتُ ربما وصار حضنك أصغر من أن يحمل وجعي؟! أم هي الدنيا تتكسّر كقطع الزجاج كلّما كبرنا قليلاً؟ وهل نحن نكبر، أم نصغر أمام هذه الدنيا كلّما مشى بنا العمر؟!

لا أعرف. ولذلك لك وحدك أكتب. لك يا إلهي الصغير ويا أبي الكبير.
أعرف جيداً بأنك رغم غيابك أنت تراني. ها أنا خبزٌ سماويّ_أرضيّ؛ تماماً كما اردتَني أن أكون. ها نقاء قلبي وولائه المقدّس تماماً كمثل قلبك الذي قدّسنا بولائه وقداسة حضوره. ها فكري السيّد البهيّ تماماً كمثل فكرك الذي ساد تربيتك الأبويّة، التي حرَّرَتنا من الزائف وأهدتنا حياةً من نقاءٍ وأمانةٍ للألوهةِ التي نحن منها خميرةً، تشكّلت في معجن بيتنا أرغفة صدقٍ وعطاء. ها أنا أبي بكل قدسيّة، جسداً فكراً وروحاً. ها أنا.

مدّها أبي يدك الآن. مدّها وتلمّس هذا القلب الذي لم يتغيّر عن وجه طفولته، ولا عن وجهك. مدّها وقل لهذا القلب ألا يتعب. قل له ألا يتغيّر حتى لو تغيّرت به الحال. مدّها أبي. يدك.
يدك أبي
كي
لا
أغرق