Thursday, August 13, 2020

لا للموت بعد اليوم! أنا أريد الحياة!

النداء اليوم للشعب اللبناني، أو على الأصحّ، المجموعات اللبنانية المتناحرة، غير القابلة للتعلّم وللتطوّر الوطنيّ! أنا أريد الحياة. أنا أختار الحياة! أنا وبيروت وأهلها والوطن بأكمله ضحية! نحن لم نطلب الشهادة: نحن ضحايا الجهل والمحاصصة والعمالة وعبادة المناصب! 

كلّ طفلٍ قضى هو ابني وابنتي! كلّ أخٍ رحل هو أخي أنا! كلّ أمٍّ تبكي هي أمي أنا! كلّ قلبٍ تمزّق، كان قلبي أنا! وأنا لم أكمل بعدُ ثمن منزلي الذي تطاير، ولا ثمن غرفة النوم التي أسدّد ثمنها بالتقسيط كمثل أحلامي، ككلّ أهلي وإخوتي في هذا الوطن، حيث الموت يخترع أسباباً جديدة كلّ يوم! لم يختَر أيٌّ من الضحايا الرحيل، لكنهم رحلوا وأخذوا معهم قضمةً من قلبي وسماءً من روحي. لم يقم أيٌّ من الضحايا بتوديع أحبّته، بتناول وجبة طعامه المفضّلة، بطبع قبلة على خدّ الطفل الذي احتفلوا بولادته منذ أيام قليلة بعد سنوات من التضرعات، بالتوقف لبرهة أمام المرآة للتشبّث بهدفٍ رسموه منذ وقتٍ بين أضلعهم! لم يشعر أيّ من الضحايا الأبرياء أو يعرفوا أنّ الساعة السادسة وسبع دقائق من الرابع من آب اللعين، ستكون آخر شعلة حياة في أجسادهم التي كانت تسارع الزمن وتصارع اللعنات في وطنٍ قاتل محترف، يقتات على دماء أبنائه من الأبرياء!

كلّ شباكٍ تطايرت شظاياه لتحطّ على جلدي، هي شبابيك فُتحت لتدخل الحياة إلى البيوت ومزهرياتها، لا ليدخل الموت بشعاً كلعنة أو كقصاص! لا للموت بعد اليوم! إن قبل ٤ أيار لا يمكن أن يكون مثل بعد الرابع منه. قبل هذا التاريخ كنتُ حيّة ببساطة، وأتنفس أملاً بأن لهذا البلد شمس ساطعة بالأمان، وها أتى الإنفجار وانهار الوطن والأمل، وانهارت فينا الدار وتحوّل فينا النهار، صرنا لهباً ونار!

هذا الإنفجار لا يزال يفور في صدري كالبركان على امتداد الليل والكوابيس. بيروت طعمها قمحاً معجوناً بدماء أحبّتي يحترقون لا زالوا في فمي! ها هم في أكواب المياه والنوافذ التي لم تعد تطلّ على المتوسط، إنما على أكداس التزمّت والفساد العفن الذي قذف بأجساد إخوتي مساميراً صلبتني على عودِ وطنٍ محترق، كمثل هويّتي التي تطاير ورقها الزهريّ وتناثرت فوق بيروت صارخةً باسمي بأعلى صوت: أريد أن أعيش. أريد أن أحيا.

منذ أن كنتُ طفلة وأنا أسمع عبارات تدور في فلك "لن ندع موتك يمرّ دون عقاب للقاتل" أو "دم الضحايا لن يذهب هدراً" أو "وعدنا لك أننا لن ننساك للأبد".... ومشى بي العمر، وطالت لائحة الشهداء والضحايا والمغدورين الذين ماتوا مرتين: مرّة حين تمزّقت أجسادهم بالرصاص والبارود والشظايا، ومرّة حين تاجر بهم رئيس الحزب؛ وكم من رئيس حزب، وكم من ضحايا، وكم من ثكالى لا يعرفون أيبكون أخاً أو أباً أو زوجاً أو حبيبا أو عائلة وبيت وعمر من الأحلام والأماني المبتورة! وطالت لائحة الموتى طالت لدرجة فاقت معها مساحة الوطن الذي ضاق بالأجساد المضرجة بالدماء. 

إنّ خارطة الأجساد البرئية التي ماتت منذ تأسيس لبنان الطائفي التحاصصي حتى اليوم، إذا ما مدّدناها الجسد بجانب الجسد، لكانت مساحة الوطن أكبر من ١٠٤٥٢ كلم. وكبرت طالت مع لائحة أموتانا الخيانات والمبايعات والمزايدات بيعاً وشراءً بدم الضحايا والشهداء! وازدادت أسواق المزادات العلنية التي تاجرت ولا تزال بدم الأبرياء، خصوصاً في الجوامع والكنائس، وتحوّلت التعاليم الدينية إلى دروس ونُهُج في القتل والجرائم الدينية المنظّمة التي تتلطّى بالعباءات الدينيّة، محوِّرةً النصوص السماوية والنفوس البشرية إلى قنابلة موقوتة لا يرويها سوى قتل الأبرياء العُزَّل.

وللتنويع والمزيد من التشويق الذبائحيّ، لدى كلّ عمامة أكثر من حزب، وأكثر من أداة قتل، والكثير الكثير من الحجج والمقارعات لآلاف مناهج النهب والقتل والتدمير وتشويه الإنسان. وكلّ هذا يتمّ باسم الله، باسم الشعب، باسم المواطن، باسم الأطفال، ودائماً باسم الفريق الثاني (التانيين اللي ما خلّونا)

ربيعة طوق

Monday, August 10, 2020

ذنبنا الوحيد أننا اقترفنا الحياة.

ذنبنا الوحيد أننا اقترفنا الحياة.


هل كان ضرورياً أن نموت جراء انفجار كبير وصلت معه أشلاؤنا إلى العالم أجمع كي تستفيقوا؟ ألم يبدأ هذا الإنفجار المهول يوم رفع إخوة الصف الواحد سلاحهم بوجه بعض؟ كم من الوقت اقتتل فيه عون وجعجع، وتكدّست الأحقاد والألغام والبنادق والأجساد، وتوقّفت القلوب عن الخفقان الإنساني، لتتحوّل إلى قلوب من بارودٍ ومن دمار!؟! هما اللذين عادا، واحدٌ من الخارج، والآخر من السجن، ليُكملا في اتفاق معراب، ما بدآه مِن شقاق وتفرقة في بلد قائم على التفرقة الدينية المذهبية الطائفية الحزبية، وقضيا معاً على مَن تبقّى منّا! آتي على ذكر هذا الديو المخيف بالذات، لأنّ لا عمر لذاكرتي عما ومن سبقهما من اقتتال بين اللبنانيين على أساس طائفيّ مذهبيّ، وكم عدد الذين قُتلوا باسم الله. لم يحصل في التاريخ الإنسانيّ الحضاريّ، أن يعود إلى ربوع الوطن، الأشخاص نفسهم الذين بدأوا منظومة القتل والتفرقة والسيادة الدموية! أخاف التفكير بأنه لو قُدِّر لبشير أو لداني أن يُكملا حياتيهما، لكانا ربما داخل دائرة الإخوة المقتتلين، ولكان المسيحيون قد أفنوا بعضهم هلاكاً على الكرسي. وبينما كانت الأحزاب المسيحية تتقاتل كالديوك، تطاول عملاق الحزب الشيعيّ، ليخطف البلد بأسره بقوّة الخليط السحريّ الأقوى: الدين والبارود، المخَدِّرَين اللذين إذا ما اجتمعا معاً، أسقطا أوطاناً وأمَما! 


ظننتُ أنّه باتحاد قِوى البلد السياسية الطائفية، سيبنون لنا مؤسسات إنسانية راقية، تضمن أعلى درجات العلم والدراسات، وأرقى دور الحضانة والعجزة، ومنظومة متكاملة من الخدمات التي تُعلي شأن المواطن والوطن! لم أنتبه، بينما يمشي بي العمر، أنّ مجالس العلماء الإسلاميين في وطني، تتدارس فقط علم لباس الحجاب، والبحث في أمور المأكولات التي يجوز أو لا يجوز للمرأة شراؤها، وكم زواج متعة يحقّ للرجل المتزوج، وبأنّ الهلال في تاريخٍ معيّن، يهلّ عند الشيعة خلافاً للتوقيت السنيّ، كأنّ حسبان الوقت لدى الفئة الأولى، مختلف عنه لدى الفئة الثانية! وظننتُ أنّ البطاركة المسيحيين، سيُكملون على خطى المسيح، بمسح رعاياهم بالبركات الأرضية، عبر منظومة من المؤسسات التي تُنشيء آلهة بشريين، يترفّعون عن الإختلافات العرقية والمذهبية والدينيّة، ليعيشوا كُنه الحب الإلهي وجوهر الدين المسيحي في مجتمعنا اللبناني!


أخطأتُ في ظنوني، وأخطأ الجميع بحقّ الوطن الذي هو بأمسّ الحاجة لنظام مدنيّ منزوع ذكر الدين على سجلات القيد المحمولة، كما ومنزوع السلاح. فلبنان أصغر من أن يقف بوجه أيّ بلد قريب أو بعيد، هو الذي بالمساحة أصغر من قبرص، وبالنفوذ حدّث ولا حرج؛ فعلامَ وضدّ مَن سنحمل السلاح إذا ما أعلنا وطننا سلمياً لا يريد سلاحاً. فليذهب مَن لديه التزامات مع بلدانٍ أخرى، إلى تلك البلدان، سواء سوريا أو إيران أو أو أو.... واتركوا الأطفال يكبرون بالبراءة والهناء، كيما يتمكّنوا من بناء وطنٍ يشبه أيقونة لبنان الأجمل: السيدة فيروز.


وها نحن اليوم، بعد الإنفجار البركان، نلوذ إلى المزيد من الشحن الطائفي المذهبي التحزبيّ الأسوأ في تاريخ هذا البلد المشرذم. كفى مهاترات ولنتقدّم أولاً بالصمت إكراماً لروح الضحايا الذين خسروا حياتهم لقضية لم يختاروها! أيأتي إلى ذهن أي مسؤول في لبنان، أنّ أحداً من أولئك الأبرياء، لم يكن يريد أن يموت؟ أخَطَر ببال المواطن والمسؤول شكر  السفير الهولندي الذي بدل أن يلعننا، قام بتنفيذ وصية زوجته لوهب أعضائها إلى قاتليها! هل استوقف هذا العمل العظيم أحد السفراء أو الرؤساء اللبنانيين!


شكراً سيدة هيدويغ. السلام لروحك العظيمة. السلام لأرواح الضحايا الأبرياء، الأموات منهم والأحياء؛ التخزّب قتلنا وقتلكم، سامحونا.

ربيعة طوق