Monday, August 10, 2020

ذنبنا الوحيد أننا اقترفنا الحياة.

ذنبنا الوحيد أننا اقترفنا الحياة.


هل كان ضرورياً أن نموت جراء انفجار كبير وصلت معه أشلاؤنا إلى العالم أجمع كي تستفيقوا؟ ألم يبدأ هذا الإنفجار المهول يوم رفع إخوة الصف الواحد سلاحهم بوجه بعض؟ كم من الوقت اقتتل فيه عون وجعجع، وتكدّست الأحقاد والألغام والبنادق والأجساد، وتوقّفت القلوب عن الخفقان الإنساني، لتتحوّل إلى قلوب من بارودٍ ومن دمار!؟! هما اللذين عادا، واحدٌ من الخارج، والآخر من السجن، ليُكملا في اتفاق معراب، ما بدآه مِن شقاق وتفرقة في بلد قائم على التفرقة الدينية المذهبية الطائفية الحزبية، وقضيا معاً على مَن تبقّى منّا! آتي على ذكر هذا الديو المخيف بالذات، لأنّ لا عمر لذاكرتي عما ومن سبقهما من اقتتال بين اللبنانيين على أساس طائفيّ مذهبيّ، وكم عدد الذين قُتلوا باسم الله. لم يحصل في التاريخ الإنسانيّ الحضاريّ، أن يعود إلى ربوع الوطن، الأشخاص نفسهم الذين بدأوا منظومة القتل والتفرقة والسيادة الدموية! أخاف التفكير بأنه لو قُدِّر لبشير أو لداني أن يُكملا حياتيهما، لكانا ربما داخل دائرة الإخوة المقتتلين، ولكان المسيحيون قد أفنوا بعضهم هلاكاً على الكرسي. وبينما كانت الأحزاب المسيحية تتقاتل كالديوك، تطاول عملاق الحزب الشيعيّ، ليخطف البلد بأسره بقوّة الخليط السحريّ الأقوى: الدين والبارود، المخَدِّرَين اللذين إذا ما اجتمعا معاً، أسقطا أوطاناً وأمَما! 


ظننتُ أنّه باتحاد قِوى البلد السياسية الطائفية، سيبنون لنا مؤسسات إنسانية راقية، تضمن أعلى درجات العلم والدراسات، وأرقى دور الحضانة والعجزة، ومنظومة متكاملة من الخدمات التي تُعلي شأن المواطن والوطن! لم أنتبه، بينما يمشي بي العمر، أنّ مجالس العلماء الإسلاميين في وطني، تتدارس فقط علم لباس الحجاب، والبحث في أمور المأكولات التي يجوز أو لا يجوز للمرأة شراؤها، وكم زواج متعة يحقّ للرجل المتزوج، وبأنّ الهلال في تاريخٍ معيّن، يهلّ عند الشيعة خلافاً للتوقيت السنيّ، كأنّ حسبان الوقت لدى الفئة الأولى، مختلف عنه لدى الفئة الثانية! وظننتُ أنّ البطاركة المسيحيين، سيُكملون على خطى المسيح، بمسح رعاياهم بالبركات الأرضية، عبر منظومة من المؤسسات التي تُنشيء آلهة بشريين، يترفّعون عن الإختلافات العرقية والمذهبية والدينيّة، ليعيشوا كُنه الحب الإلهي وجوهر الدين المسيحي في مجتمعنا اللبناني!


أخطأتُ في ظنوني، وأخطأ الجميع بحقّ الوطن الذي هو بأمسّ الحاجة لنظام مدنيّ منزوع ذكر الدين على سجلات القيد المحمولة، كما ومنزوع السلاح. فلبنان أصغر من أن يقف بوجه أيّ بلد قريب أو بعيد، هو الذي بالمساحة أصغر من قبرص، وبالنفوذ حدّث ولا حرج؛ فعلامَ وضدّ مَن سنحمل السلاح إذا ما أعلنا وطننا سلمياً لا يريد سلاحاً. فليذهب مَن لديه التزامات مع بلدانٍ أخرى، إلى تلك البلدان، سواء سوريا أو إيران أو أو أو.... واتركوا الأطفال يكبرون بالبراءة والهناء، كيما يتمكّنوا من بناء وطنٍ يشبه أيقونة لبنان الأجمل: السيدة فيروز.


وها نحن اليوم، بعد الإنفجار البركان، نلوذ إلى المزيد من الشحن الطائفي المذهبي التحزبيّ الأسوأ في تاريخ هذا البلد المشرذم. كفى مهاترات ولنتقدّم أولاً بالصمت إكراماً لروح الضحايا الذين خسروا حياتهم لقضية لم يختاروها! أيأتي إلى ذهن أي مسؤول في لبنان، أنّ أحداً من أولئك الأبرياء، لم يكن يريد أن يموت؟ أخَطَر ببال المواطن والمسؤول شكر  السفير الهولندي الذي بدل أن يلعننا، قام بتنفيذ وصية زوجته لوهب أعضائها إلى قاتليها! هل استوقف هذا العمل العظيم أحد السفراء أو الرؤساء اللبنانيين!


شكراً سيدة هيدويغ. السلام لروحك العظيمة. السلام لأرواح الضحايا الأبرياء، الأموات منهم والأحياء؛ التخزّب قتلنا وقتلكم، سامحونا.

ربيعة طوق

No comments: