Tuesday, September 18, 2012

قراءة من مذكرة ورقة



وريقة جديدة تطلّ رأسها من روزنامة أيامي. وكالمولود الجديد، تبتسم الوريقة لدقائق الصباح الأولى، تمسك بذيل ثوب أمّها الحياة وبيد رفيقتها التي هي أنا، وتسير بنا سويّاً لتبدأ نهارها. قليل من الوقت، تتحوّل الوريقة بزغبها النضر إلى ورقة تسطع بالإحتمالات والإبتسامات أو ربما بالإنكسارات، لكنّها تمضي بالرغم من اختلاف التبعات والأحداث. تسير بي على صفحات النهار غير متأثّرة بشيء، كما لو أنه يومها الأوّل والأخير. إنّه فعلاً كذلك. إنّه يومها الوحيد. . .

ورقة تورق، تليها أخرى في صباح اليوم التالي، أخرى للغد الثاني وأخريات للأيام المتتالية. واحدة تمرّ بصخب، واحدة بسكون، واحدة على عجلة، أخرى بكدّ وأخرى بصمت... جميعها مثمرة في جسدي. جميعها تحيّي عطر شراييني وتغدق عطرها في هذا الجسد: جسدي. جسد الأمس واليوم. جسد الأماني والمعاني التي تحملها هذه الوريقات كقضيّة يومية لها.

في هذه اللحظة بالذات، أفاضت إحدى تلك الورقات نبضها في جسدي. أدارت مفتاح أصابعي، وتمنّت عليّ الكتابة: شكراً لهذه الأنامل التي تنساب في ينابيع أعصابها الكلمات. شكراً لهذا الفكر المطواع الذي يلبّي كسيّد نبيل، رغبة السيّدة "لحظة" في الكتابة. شكراً لك يا أمي الحياة.

ها هي أختي الدهشة تنبّهني إلى أنّ النهار لملم بقع الضوء عن مداري الزمنيّ، يأخذه إلى مدار آخر، ليودعني في أحضان والدي الليل: "أب الأحلام". والدي لا يخلف في مواعيده. يأتي إليّ عند كلّ مساء محمّلاً ذراعيه الكثير من الدفء. تتثاءب الورقة المثقلة بنهار حفل بالأفعال مستعيناً بنبض عروقي، وتهمس في أذني بحنوّ: "أنا حبلى يا رفيقتي، وسيكون مولود الغد بانتظارك على بوابة الصحو." وما أن أرغب في تصوير شكلها وجدول مواعيدها، حتى تتغلغل دعوة والدي في مبسمي، مليئة بالأحلام التي تشكّلت لي خصيصاً، على شاكلة آمالي.

أغمض ناظري، فتتصاعد ترنيمة شكر لك يا أمي الحياة، لكلّ شجرة حيّتني اليوم، وكلّ زهرة أمالت بألوانها نحو وجهي، وكلّ عشب تصاعد أخضره إلى جبيني، وكلّ عصفور رسم دائرة خصري في أعالي السماء، أو خبّاً أمنية لي في شجرة سيتلحّف غصنها الليلة.

وكمثل هذا العصفور، ها أنا يا أبي، خذني إلى أرضك حيث الأحلام وفيرة والموسيقى غزيرة. معاً سنجوب مجرّات وعوالم جديدة كمثل كلّ ليلة. شكراً لكلّ حلم سترسمه في بصيرتي.