Thursday, April 26, 2018

فلتُقطَع يد بائع الأزهار


هذه النافذة في دمي
تطلِّ بي في كلّ يومٍ على نبضٍ جديد..
هذه النافذة في دمي
تدور بي ويدور العالم معي..
ومعي رمشٌ تائهٌ شريد،
شاخصٌ على حافّة النافذة
يحدق في عزلته،
يَعدّ أصابع البرد
ويُعِدّ الكفّ التي تبغي العودة...
إعزف بعدُ أيها الجدار الفارغ
ها هامتي تستعدّ لدخولك
فارتفع بعد كمثل الصنوبر
واجدل ضفائر الصفصاف في عروقي،
تمتثل لأوامر الرحيل.

هل تريدين الرحيل؟

-لم يسألني أحدٌ في هذا الترحال عن رغبتي؟
يا رغبتي: أنريد الرحيل أم البقاء!؟
جُلَّ ما أعرفه أني أريد قصائدي،
قصائدي تساندني في غربتي..
لا أزال متجذّرة بها تُمسك بيدي
وتحدّق في عينيّ، وحدها لا تهاب الطريق
في شمس عينيّ،
تعانقني عند الوصول،
تعاتبني أحياناً لكنها وحدها لا تخاف البقاء معي......
ومعي لا يستقيم الشوق ولا يستقيل،
في كفّ الوجه أبداً يستطيل
ويسأل؛ هل من أحدٍ هناك؟
مُشيراً ناحية الألم،
شفتاه تتحركان لكنه لا يستطيع أن يشرح
لمن لا يريد أن يفهم
كيف يتكسّر الضوء ثم يتكىء على ظلّه..
هل تستطيعين الوقوف؟

-ليس هناك ألم. أستطيع.
أشدّها نفسي بحبال الخيبة المتراصة،
وأقف. شفتاي ذهب
ورجليّ زمرّدٌ مُضيء.
مَن سيغنّي هذا المساء؟
والأهداب يا أمي ماء.
مَن سيَطرب ويحمل الإناء
لِأَكْبُرَ في السنّ هذا المساء،
ولكي أُكَبِّرَ أسماء الله والإباء،
فالدرب مؤاتٍ
والخطوط إلى الغياب كلها مرصودة
مثل القنابل الموقوتة
شأنها الترحال والموت متاح
دوماً متاح.

-اتركوا أسماءكم عند النافذة.
أجل هذه النافذة!
ولا تغفلوا عن البلّور اللماع،
يخلع حنينه على حافّة الأنفاس.
سأنتظركم كي تستريحوا،
فلا بدّ من هناء،
ينساب على عود الصّلب.
-والأخشاب؟
-كثيرةٌ كالديدان التي تنتظرها.
وحدها الديدان تحنُّ.
وحدها الديدان تُعدّ عدّة اللقاء.

لا تفقدي صوابك يا صغيرة،
فهناك قاضٍ يلقبونه بسيّد الوقت،
لا بدّ أنه عند الجدار،
لكنه لا يحبّ الجدال.
تدثّري بعشب الجدار
واقرأي له حبر الأقحوان
واستمرّي في المسير،
فأنت لم تحبّي يوماً أزهار المزهرية المقطوعة،
كنتِ تشبهينها بالرؤوس المقطوعة بالمقصلة،
تموت حين نضعها في ركن الدار،
مكانها الحقول بين باقي الأزهار.
فلتُقطع يد بائع الأزهار!

ذنبُ الزهرة أنها وقفت عند الجدار
فقال العشب بأنها تبادلت معه الأدوار،
كي تحميه طول الوقوف وحتميّة الإنهيار.
وقال الشوك بأنها هي مَن بادرت بالحوار،
كي تُنسيه بأنه ليس سوى جدار.
أما الجدار، فلم يسأله أحدٌ أي شيء!
كان سيقول بأنه هو مَن أتى إلى جوارها،
كي يبني بها صدر الدار.
كان سيقول بأنه صَلَّى كثيراً كي تبادر بحوارها،
فيَقوى على صانع الأقدار،
ويتحوّل إلى زهرة النار.
لذا، صلبوها في إناء
وسلبوه عطرها فَحارْ...
طويلاً فكّر قبل أن يفتح هذه النافذة بالذات،
فهي تطلّ على ما فيه قد مات