Monday, October 10, 2022

كيف يا أمي تلديني لا زلتِ كل صباح كيف؟

كيف يا أمي تلديني لا زلتِ كل صباح كيف؟


السعادة الحقيقية هي أن تغمض عينيك في سريرك، بينما تعرف أنك ستصحو صباحاً لترى وجه أمك. وجودها يدثّر روحك قبل النوم، يُدفىء عظامك في الليل ويمنحك جبروتاً تصارع به أشرس الوحوش التي تُخيفك.


أمي يا الله يا أمي كيف تسكبين الحياة في هشاشة عظامي لتمنحيها أسباباً جميلة للعيش! وكيف يا أمي تُشدشدين مفاصل عروقي فيستيقظ دمي، يُبرعم بأغصانه النائمة ليحثّني على تشييد حدائق لم أعرف أنها تنبت في أقاصي وجهي وتنغِّم اسمك! 


كيف يا أمي تلديني لا زلتِ كل صباح كيف؟ كيف يا أمي يُعيد ولادتي وجهك من جديد كل مرّة تنظرين بها إليّ وتقرئين سطوري، كل السطور، خصوصاً تلك التي أودعتها خزنات الصمت والغياب، وتمحين كل علامات الإستفهام المختبئة بين السطور، بابتسامة من عينيك كيف؟ كيف يا أمي ترتّبين خصل الشعر المشعّث للقلق الذي يغطّي وجهي، وتعبرين لجّة همومي وترتّبيها فتتقهقر وتتراجع بحركة من أصابعك التي تلوِّن بالنور والدفىء وجودي، لتعيد تمشيط تسريحة الهناء بحضورك؟ كيف يا أمي تفتحين رمّان قلبك حبّةً حبّة، باهتماماتك المتلاحقة والمتلاصقة خلال ساعات النهار والليل، فتجدّدين خلايا الحياة في نبضي كيف؟ وكيف يا أمي تُعيدين نسج ما مزّقه النهار، لتُلبِسيني طُمأنينتي فستاناً مطرّزاً بأبهى الجواهر وتُعيدي رونق الطفولة لقلبي الذي يمشي وراء خطواتك في أرجاء البيت، وكأنها خارطة الدنيا والآخرة، ونقطة البداية والنهاية! 


كيف لا أزال أطلق صرخة الدهشة الأولى كلّما عانقتك بعد غياب، فتعود الحياة لرئتيّ كما لو أني كنت أسبح تحت الماء دون أوكسيجين طوال غيابي عنك، لتُعيدي لي برجوعي إليك، كلّ ما كان ينقصني من فضاءٍ؟ كيف يا أمي تفعلين كل هذا السحر وأنت امرأةٌ من قهوةٍ ومن أطباق طعام وأنواع حلويات ومنهمكة في تأمين كل الحاجيات، بينما تطرحين الكثير من الأسئلة حول ما إذا كنت بحاجة إلى ماء أو دواء وأنت، أنت يا أمي كامل الشفاء!

ربيعة طوق