Saturday, August 29, 2020

فيروز كرّموها فيروز عظّموها



طويلاً أردتُ أن أكتب لفيروز وعن فيروز، لكن ما أسعفتني التعابير ولا الأوصاف يوماً، هي من تتربّع على عرش النّغم والسحر، لا يطال عزّها كلام ولا شكر. 


طويلاً رغبتُ بالكتابة عن الصوت الذي به تعرّفتُ إلى الوطن ومفاهيم الإنتماء، إلى صوت الله وبهاء حُسنه، إلى حفيف أجنحة الملائكة التي تحملك إلى سابع السماوات وأعلاها، إلى غابات السحر والشوق التي تملؤ رئتيك رغبةً في الحياة، إلى الحنين الذي يقتلعك من كلّ ما حولك ليلفّك بغمامة شراب يطرب شرايينك وأكثر، وبعدُ أكثر بكثير.


فيروز الأيقونة الإلهية التي وهبنا إيّاها الله وسلبنا كلّ باقي مظاهر الحياة الأخرى، فمن له فيروز، له كلّ الحياة مسكوبة جرعةً واحدة في تقاسيم صوتها وحضورها. مَن له فيروز، له مملكة لا تشبه وطناً آخر منذ المدينة الفاضلة حتى اليوم. ربما لهذا نحن نعيش في الفراغ المهول، في باقي تفاصيل الوطن، ربما لأنّ الله منحنا فيروز كي نكتفي بها عن سائر متطلبات الأوطان وما يجعلها قابلة للعيش.


يطول الكلام عن الإلهة فيروز، ولا أجد التعابير التي تليق بصوتها ولا بشخصها كسيّدة ملكة تستحق لقب ملكة الملكات. ما  دفعني للكتابة اليوم ليس مناسبة التغنّي بفيروز، فهي الأرض المسحورة التي لا أريد سوى التمتّع بسحرها! إنما استوقفني الفنان المصري الذي شكرها على طريقته، عبر نحته لتمثالٍ جسّد تعبيره الخاص لها، وله كلّ الإمتنان. طبعاً، هو مَن يدين لاسمه بكل ما هو جميل، الفنان المصري هاني جمال؛ تقبّل منّا كلّ العرفان لأصابعك التي لامست روح السيدة فيروز، وجسّدتها منحوتة جميلة، واحدة، من بين الملايين التي ندين بها لسيّدة، لولاها، لما كان للحياة هذا البُعد الجميل الذي تسكنه في أرواحنا، ولما تلوّنت دماؤنا بوطنٍ، ظننّاه كبيراً متيناً متماسكاً أبيّا في حبال صوتها. لم نعي أنّ لبنان، أسطورة، وُجدت فقط في فنّ الرحابنة وصوت فيروز.


ما استفزّني هو أنّ فيروز لا تُكَرَّم رسمياً كل يوم من قبل الحكومات والرئاسات اللبنانية المتعاقبة! لماذا لم تكرّموها هي التي أعطت لبنان كِبَرَهُ ولوّنت خارطته بالمجد والرفعة؟ منذ كانت فيروز ولبنان مقرونةٌ عزّته بها، هي التي بصوتها، رسمت حدود الوطن ووسّعتها لتطال الدنيا ومن فيها. مَن الأجدر باسم لبنان: فيروز وأغانيها، أم رجال السياسة وعهرهم الذي تمقته كلّ دول العالم؟ مَن الأولى بصيت هذا الذي يسمّونه لبنان: نقاء صوتها وسماواته الفسيحة، أم رصاص الأحزاب واقتتال الطوائف على محاصصة المنهوب والمسروق من الوطن؟؟؟ ما الذي يجب أن يرتفع على شاشات نشرات الأخبار العالمية والمحليّة: خلايا العطر المسكوب في فجر صوتها، أم خلايا الإرهاب التي تقضي علينا في هذا الوطن، فجوراً ودمارا؟؟؟ أما كان يحقّ لنا أن نطرب حتى ثمالة الخمر الأحمر في كُنه صوت السيدة فيروز، بدل أن يسكر الوطن بدمائنا التي شظّاها الإنفجار الأخير الذي أتى بعد الكثير من الإنفجارات السابقة بحيث لم يعد لدينا من دماء نفديها لأحد؟؟؟؟؟

ربيعة طوق